من يتابع الحوارات بين العرب، سواء في الشارع أو في ملاعب كرة القدم أو على وسائل التواصل الاجتماعي، يلاحظ ظاهرة لافتة: الشتائم لا تتوقف عند الخصم نفسه، بل تمتد لتطال نساءه، وخصوصًا عبر ذكر أعضائهن التناسلية.
للوهلة الأولى قد يبدو هذا مجرد "قلة أدب"، لكنه في الحقيقة أعمق بكثير. إنه يعكس نظامًا ثقافيًا-دينيًا متجذرًا يرى في جسد المرأة مرآة لشرف الرجل، ويحوّلها إلى أداة للإذلال. في هذا المقال نكشف كيف اجتمعت ثقافة الشرف، والموروث الأدبي، والكبت الجنسي، والنصوص الإسلامية لتنتج خطابًا يوميًا يجعل من المرأة الحلقة الأضعف والأكثر استهدافًا.
لكن قبل الغوص في الجذور الثقافية والدينية، من الضروري التذكير بمبدأ كوني: أحد أسس الأخلاق في الأكواد العالمية للأخلاق هو أن يمتنع الإنسان عن القذف والشتائم البذيئة التي تنتهك الكرامة، وأن يتجنب استخدام ألفاظ سوقية لا علاقة لها بالفعل نفسه. وبغض النظر عن الثقافات والأديان، يبقى هناك ثابت واحد: الشتائم الجنسية تقع على قمة الانحطاط اللفظي وتمثل العلامة الأوضح على انهيار الأخلاق وفساد القيم.
التمييز بين «الوصف» و «القذف» أساسي هنا:
-
إذا وُصف الغبي بأنه غبي، أو السارق بأنه سارق، أو المدلس بأنه مدلس، فهذا يبقى تعيينًا مباشرًا لصفة أو فعل. وحتى لو كان جارحًا، يظل ضمن دائرة الوصف.
-
لكن عندما يُشتم السارق بألفاظ جنسية تطال أمه أو أخته، فهذا يتجاوز الوصف إلى القذف المباشر، فيضرب في صميم الكرامة الإنسانية.
ولهذا السبب، لا يلوم أحد القاضي إذا وصف امرأة بالبغاء في قاعة المحكمة متى ثبتت عليها التهمة قانونيًا، بينما يدين الجميع من يجرّ أم القاضي أو ابنته إلى شتائم جنسية. الأول وصف؛ والثاني انحطاط.
وما هو أشد إزعاجًا أن هذا النوع من السباب الجنسي لم يقتصر على الأسواق أو شجارات الشوارع، بل دخل حتى في النصوص الإسلامية المنسوبة إلى محمد، مثل قوله:
-
"أعضوه بهن أبيه، ولا تكنوه" – موجّهًا إلى من يفتخر بآبائه قبل الإسلام: أي قولوا له عضّ ذكر أبيك.
-
"أمصص بظر اللات" – واللات صنم من أصنام قريش، فجعل شتمه مقرونًا بأبشع الألفاظ الجنسية: امتص فرج إلهك.
وهكذا، أصبح السباب عبر الأعضاء التناسلية ليس مجرد عادة سوقية، بل جزءًا من النصوص المؤسسة التي أضفت عليه غطاءً دينيًا وشرّعت استخدامه في الخصومات العربية-الإسلامية.
ثقافة الشرف بين الدم والعنف
قال المتنبي (توفي 23 سبتمبر 965):"لا يَسلَمُ الشَّرَفُ الرَّفيعُ مِنَ الأَذى * حَتّى يُراقَ عَلى جَوانِبِهِ الدَّمُ!"
في هذا النظام، المرأة ليست شخصًا، بل رمزًا لشرف العائلة. أي اعتداء عليها هو "تدنيس" يتطلب سفك الدماء لاستعادة "النقاء". وحتى اليوم، لا تزال ما يُسمى "جرائم الشرف" شائعة، وأحيانًا تلقى معاملة قانونية متساهلة. الشتائم الجنسية التي تستهدف الأعضاء التناسلية للنساء استمرار لهذه الثقافة: إذلال الرجل عبر المساس المزعوم بشرف نسائه.
ثقافة الشرف تكشف أيضًا هشاشة الرجولة: يُتخيَّل أن قيمة الرجل تقوم على نسائه. أسرع وسيلة لإذلاله هي النيل من عفتهن لفظيًا. لهذا تؤذي الشتائم ضد النساء الرجال بعمق — فهي تكشف كم الرجولة هشة ومصطنعة عندما تقوم على السيطرة على أجساد النساء.
المرأة كشيطان وفتنة
"إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان" (حديث منسوب إلى محمد).
هنا، تُختزل المرأة إلى غواية خالصة، مساوية للفساد. لا تُرى كإنسانة كاملة، بل كوعاء للخطايا. هذه النظرة الدينية خلقت لاوعيًا جمعيًا يحمّل المرأة مسؤولية أي انحراف جنسي، ويجعلها دائمًا موضع شك.
النتيجة: حتى الشتائم توظّف المرأة كرمز "للغواية الفاسدة"، كسلاح لإذلال الرجل عبر وصم نسائه.
اللافت هنا هو النفاق: الرجال الذين يقذفون أمهات وأخوات الآخرين، يردّون بعنف إذا وُجّهت نفس الشتائم إلى نسائهم. هذا التناقض يكشف أن النساء لا يُقدّرن كأفراد ذوي كرامة، بل كامتداد رمزي لكبرياء الرجل. الشتيمة لا تُحتمل إلا عندما تمس "ممتلكاته".
نقصان العقل والدين
"ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" (حديث مشهور).
هنا، تُجرَّد المرأة من القدرة العقلية والروحية. تُصوَّر كناقصة عقل ودين. هذا رسّخ دونيتها في القانون والتعليم والمجتمع.
-
اجتماعيًا: حتى المتعلمات يُنظر إليهن كناقصات.
-
نفسيًا: منذ الطفولة، تستبطن الفتيات أنهن ناقصات، وقدَرهن التبعية.
النتيجة: الشتائم الجنسية امتداد مباشر لهذا الإقصاء. إذا كانت المرأة "ناقصة"، فلا عجب أن يُختزل وجودها إلى جسدها.
نجاستها في فترة الحيض
الفقه الإسلامي يعتبر المرأة في الحيض "نجسة"، محرومة من الصلاة والصيام والاقتراب من المسجد أو ممارسة الجنس. هذا يجعلها دوريًا "ملوثة"، ينبغي عزلها.
-
الأثر الاجتماعي: شعور متكرر بالعار من الجسد الطبيعي.
-
الأثر الرمزي: تعزيز فكرة أن المرأة أقل طهارة.
في الشتائم، يظهر هذا التراث مجددًا: النساء يُختزلن إلى "أجساد ملوثة"، أدوات للعار.
بينما تُقذف الشتائم بين الرجال، تعاني النساء أنفسهن بصمت. أجسادهن وسمعتهن تُجرّ إلى نزاعات لم يخترنها. يصبحن مشاركات قسريًا في معارك الشرف، ويتعرضن للمهانة والوصمة بغض النظر عن أفعالهن.
القوامة الذكورية: القاصر الأبدي
"الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ" (النساء: 34).
هذه الآية لم تبقَ خطابًا بل تحولت إلى نظام قانوني-اجتماعي كامل للتبعية:
-
لا قرار مستقل: المرأة لا تزوّج نفسها؛ تحتاج وليًا.
-
في الحياة اليومية: في عدة دول عربية، لا تستطيع الحصول على جواز سفر أو بطاقة أو خدمات معينة دون موافقة الرجل.
-
المفارقة المهينة: قد تحتاج امرأة خمسينية إلى إذن ابنها البالغ 14 عامًا ليسافر معها كـ "محرم". هي التي حملته وأرضعته وربّته، تصبح قانونيًا قاصرًا تحت وصايته.
النتيجة: المرأة تابعة أبدًا، مهما بلغ عمرها أو إنجازها. الشتائم الجنسية الوجه اللغوي لهذه الوصاية: تذكير دائم بأنها "ملكية رجل" وأداة لإذلاله.
الضرب كحق مقدس
"واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن" (النساء: 34).وقال محمد: "لا يُسأل الرجل عن سبب ضربه لزوجته".
-
نفسيًا: الضرب يُطبع كسلوك طبيعي.
-
اجتماعيًا: المرأة تختزل إلى جسد للتأديب.
-
قانونيًا: لا وجود لمفهوم الاغتصاب الزوجي في الفقه الكلاسيكي؛ فإجبارها على الجنس يُعتبر حقًا للرجل.
في النهاية، الرجل هو القاضي والجلاد؛ والمرأة بلا وكالة. الشتائم الجنسية إعادة إنتاج لهذه السيطرة: إذلال مزدوج بتحويلها إلى "جسد مملوك".
المرأة تقطع الصلاة
تزعم بعض الأحاديث أن مرور المرأة أمام المصلّي "يقطع صلاته"، أي يقطع صلته بالله. تصير عقبة روحية، كائنًا معطّلًا بالفطرة. هذا رسّخ دونيتها حتى أمام الإله. الشتائم الجنسية تجسيد اجتماعي لهذه النظرة.
الكبت الجنسي واللغة المشوّهة
المجتمعات التي تكبت الجنس تولّد خطابًا جنسيًا مريضًا. في الثقافة العربية، حيث الجنس محرّم، يظهر غالبًا كبذاءة. لذا فالشتائم الجنسية نتاج مباشر للكبت: الجنس عار وسلاح، لا متعة مشتركة.
كل الثقافات لديها شتائم جنسية، لكن في المجتمعات العربية-الإسلامية تحمل وزنًا أثقل لأنها مرتبطة بالشرف، ومقدسة بالدين، ومشرعنة بالقانون. في أماكن أخرى قد تكون الشتيمة الجنسية مجرد بذاءة؛ هنا يمكن أن تثير العنف وحتى القتل. هذه الخصوصية تفسر شدة واستمرار هذه اللغة.
من الشعر الكلاسيكي إلى الفضاء الرقمي
كان الشعر العربي، وخاصة "النقائض"، مليئًا بالشتائم الجنسية. واليوم، تواصل وسائل التواصل الاجتماعي النهج نفسه. أظهرت دراسات على تويتر العربي أن الشتائم الجنسية تهيمن على الإساءة ضد النساء. العالم الرقمي لم يغيّر البنية؛ بل ضاعفها.
الشتائم الجنسية لم تقتصر على الشارع أو الشبكات؛ بل استُخدمت سياسيًا أيضًا. كان الخصوم يدمّرون بعضهم البعض عبر الطعن في شرف النساء، محوّلين العائلة إلى ساحة معركة سياسية. هذا يوضح أن الشتائم الجنسية صارت أداة سلطة، لا مجرد بذاءة شعبية.
الشتائم الجنسية ضد النساء في المجتمعات العربية ليست مجرد بذاءة، بل نتيجة منظومة متكاملة:
-
ثقافة شرف تختزل المرأة إلى رمز.
-
نصوص دينية تصفها بالشيطان، والناقصة عقلًا ودينًا، والنجسة في الحيض، والقاصر تحت وصاية الرجل، والمباح ضربها.
-
موروث أدبي أرسى الشتائم الجنسية.
-
كبت جنسي جعل الجنس يظهر فقط كعار وسلاح.
هذا كله يفسر لماذا يتعمد العرب والمسلمون شتم نساء خصومهم وذكر أعضائهن التناسلية.
وبلا شك، فقد أنتجت المجتمعات أيضًا صورًا نمطية لا حصر لها عن المرأة والأنوثة: كالضعف، والانفعال، والخضوع للرجل. هذه الصور تنعكس على السلوكيات اليومية واللغة. ومن هنا الجمل الشائعة: "يبكي مثل النساء"، "عاطفي كأنه امرأة"، "يتحدث كثيرًا كالنساء"، "ضعيف كالنساء" — كليشيهات مترسخة في العقول وتتسرب إلى الكلام اليومي.
إن التطاول على أعراض الناس وجرّ نسائهم وأهاليهم إلى الخصومات الشخصية سفالة ما بعدها سفالة. وأنا أعلم كم هو مؤذٍ ومهين لمن نحبهم؛ فقد عانيت لسنوات من فجور الخصوم واستهدافهم لأهلي وأحبتي بدافع النكاية. ولا أستطيع أن أرى ذلك إلا عملًا دنيئًا ينزع عن فاعله أي شرعية أخلاقية يدّعيها.
وطالما بقيت هذه الثقافة، فلن تكون هناك مساواة أو كرامة حقيقية للمرأة. فالشتائم الجنسية ليست مجرد هجوم شخصي، بل عرض لمرض أعمق: منظومة سلطوية أبوية كاملة. ومواجهتها تتطلب تفكيك البنى التي تختزل المرأة إلى وعاء للشرف وسلاح للإذلال.
إرسال تعليق