Translate

تمثال ضخم للسيد المسيح في اورشليم
تمثال ضخم للسيد المسيح في اورشليم






لقد أكدت المسيحية منذ بدايتها على كرامة الإنسان وقيمته ككائن مخلوق على صورة الله، مما يمنحه مكانة مميزة تستوجب الاحترام والتقدير. ومنها انبثقت فكرة المساواة وعدم التمييز، باعتبار أن الطبيعة البشرية المشتركة تمنح جميع الأفراد حقوقًا متساوية، بصرف النظر عن العرق أو الجنس أو الانتماء. هذه المساواة في الكرامة كانت الأساس الذي انطلقت منه قيم الحرية والعدل والسلام، وهي ذاتها المفاهيم الجوهرية التي شكلت لاحقًا حقوق الإنسان الحديثة. 

ولم نكن لنجد قوانين اللجوء التي تقبل كل الخلفيات والأعراق في بلادهم لولا المسيحية، فجميع دول اللجوء الكبرى أصلًا ذات هوى مسيحي.


ومن الواضح أن عبارة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق" تعكس تمامًا هذا المفهوم المسيحي للإنسان ككائن مبارك ذو قيمة عليا. بل إن مبدأ تحريم الاسترقاق الذي نصت عليه المادة الرابعة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كان امتدادًا طبيعيًا للرؤية المسيحية التي قدست حياة كل كائن بشري ورفضت تحويلها إلى ملكية أو سلعة.


التعاليم المسيحية كانت اللبنة الأولى لقوانين حقوق الإنسان، فهي لم تظهر بداية إلا في بلاد مسيحية، ولا أحد يسامح على القتل إلا المسيحية، ولا دين يدعو للسلام بهذا العمق إلا المسيحية، بينما نجد الجهاد والحرب والغزو في أديان أخرى. 


حتى في أيامنا هذه نجد أمثلة صارخة، مثل موقف زوجة «تشارلي كيرك» المؤثر الأمريكي التي عفت عن قاتل زوجها، مستشهدة بقول المسيح: "يا أباه اغفر لهم لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون". لم نكن لنرى مثل هذا التسامح لولا إيمانها المسيحي. 





هل هذا هو ما يُسمّى بـ'الفكر المسيحي المتطرف' الذي يُرعب اليسار؟ أرملة تغفر لقاتل زوجها برحمة واسعة تكاد تشمل الكون بأسره. هل تُعتبر هذه الأخلاق السامية 'تطرفًا'؟ وفي الوقت نفسه، يُشاد بالقتلة ومن يهنئونهم باعتبارهم 'دعاة سلام' و'إنسانيين'.

إذا كانت الرحمة تُعتبر تطرفًا، فعلينا أن نسأل: من يجسد الإنسانية حقًا — الغافرة أم القاتل الذي يُحتفى به كصالح؟


لم تكتف المسيحية بالتنظير، بل صاغت علاقة جديدة بين الفرد والجماعة، فأكدت أن لا يحق لفرد قوي أن يفرض رأيه على الجماعة، ولا لجماعة أن تنتهك حقوق فرد أو أقلية. المسيحية وقفت بحزم إلى جانب الضعفاء والمستضعفين والمهمشين، فالله في نظرها قاضٍ عادل لا يُظهر محاباة ولا يميز بين الناس تبعًا لمظاهرهم أو مكانتهم -مرقس (12: 14). 

وقد وصف بعض معاصري يسوع موقفه قائلين: "يا معلم نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس" (أعمال الرسل 10: 34، رومية 2: 11، بطرس الأولى 1: 17) ، أي أنه لم يخضع للأغنياء والأقوياء ولم يحتقر الفقراء والضعفاء، بل منح الجميع احترامًا متكافئًا مهما كانت منزلتهم.
واللافت أن الكتاب المقدس يتحدث بإسهاب عن الدفاع عن حقوق الآخرين، لكنه لا يتحدث كثيرًا عن حقوق المؤمنين أنفسهم، بل يركز على مسؤولياتهم تجاه الله وتجاه القريب.


هذا التحول الجذري جعل بعض المفكرين مثل الدكتور «كريستوفر رايت» يعتبرون الكتاب المقدس بمثابة "إعلان عالمي لمسؤوليات الإنسان"، فالواجب الأساسي للمسيحي ليس المطالبة بحقوقه بل السعي لضمان حقوق الآخر، ولو على حساب ذاته.
المثال الأسمى لهذا النهج هو يسوع المسيح نفسه الذي، بحسب الإيمان المسيحي، لم يتمسك بحقوقه الإلهية بل أخلى نفسه وصار عبد (فيلبي 2: 6-8) وفي الهيئة صار كإنسان، وقضى حياته كلها مضحيًا بحقوقه الشخصية. منذ طفولته لاجئًا في مصر، مرورًا بكونه نبيًا بلا كرامة في بلده، وصولًا إلى رفضه الحلول الوسط التي تضمن إطلاق سراحه، كان دائمًا ضحية لانتهاك حقوق الإنسان، ومع ذلك لم يطالب لنفسه بشيء، بل صمت أمام ظلم محاكمته وقَبِل التعذيب والصلب لكي يضمن بتضحيته حقوق الآخرين. من هنا جاءت القناعة أن الإنسان المسيحي مدعو لأن يكون حارسًا لأخيه الإنسان، مسؤولًا عنه لأنه عضو في العائلة البشرية ذاتها.


لكن من المهم أن ندرك أن رفع الشعارات شيء، والإيمان بها والعمل بها شيء آخر تمامًا. كثير من الأديان أو الأيديولوجيات رفعت شعارات عن التسامح والمحبة، وربما نصّت كتبها على وصايا مماثلة، ولكن السؤال الجوهري: من الذي جسّدها عبر القرون واقعًا حيًا؟ هنا تبرز المسيحية كدين لم يكتفِ بالنصوص بل قدّم مؤمنين حقيقيين عاشوا وصايا المحبة والغفران حتى أثبتوا أنها ليست مجرد مبادئ مكتوبة، بل طاقة فاعلة غيّرت وجه التاريخ. ليس كل من ادعى فعل، لكن المسيحيين على مدى قرون جسّدوا هذه القيم وأعطوها من حياتهم ودمائهم وأعمالهم الملموسة.


ومن الأمثلة القريبة من واقعنا الشرقي ما شهدناه في سوريا خلال الحرب العالمية والانتداب، حيث تأسست مشافٍ كبرى مثل المستشفى الفرنسي "الفرانسيسكان" والمستشفى الإيطالي "الطلياني" في العاصمة السورية دمشق ومثيلاتهم كثر في مدن مختلفة. هذه المؤسسات لم تكن مجرد أبنية حجرية، بل منظومات خدمية متكاملة جلبت أحدث المعايير الطبية والصحية من أوروبا إلى قلب الشرق. وإلى يومنا هذا ما تزال هذه المشافي تعمل بكامل طاقتها، بإدارة عالية التنظيم وتفانٍ لافت من الراهبات الممرضات اللواتي قدمن ولا يزلن يقدمن رعايتهن بدافع إيمان مسيحي صادق، راسمات صورة حيّة لرسالة الرحمة التي يحملنها. 


أينما حلت الدول المسيحية حلت معها مؤسسات تعليمية وصحية وتقنيات خدمية تركت أثرًا ملموسًا في حياة الناس.
في المقابل، إذا نظرنا إلى الإمبراطورية العثمانية التي مثلت "الخلافة الإسلامية" وحكمت الشرق الأوسط والجزيرة العربية وشمال أفريقيا والقوقاز أكثر من أربعة قرون، فلن نجد صرحًا تعليميًا أو طبيًا واحدًا بقي شاهدًا على إنجازاتهم. كل ما تركوه مساجد بنيت حول قبور سلاطينهم لتخليد أسمائهم، دون أي مشروع نهضوي يرفع من حياة الناس أو يحسن معيشتهم، أو كنائس سلبت من المؤمنين وتحولت لمساجد. ومن هنا، فإن المقارنة لا تأتي بدافع ديني متعصب، فأنا كسوري شرقي ومن خلفية إسلامية سابقة أكتب ما أراه وأدركه وعايشته عقود، بعيدًا عن الانحياز، ومن خارج الصندوق تمامًا.


أود الإشارة إلى أن المكون اليهودي في الدول الإسلامية، رغم تعرضه للاضطهاد في معظم فترات الحكم الإسلامي، بقي إلى -حدٍّ ما- آمنًا عندما كان يعيش في مدن وأحياء يغلب عليها الطابع المسيحي أو يكون بين المسيحيين.

كمثال حي على ذلك في سوريا، وبصفتي شاهد عيان على تلك الفترات:

في دمشق، العاصمة، كانت أحياء اليهود غالبًا مختلطة أو متجاورة مع أحياء المسيحيين.

في حلب، وكذلك في مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، كان الوضع مشابهًا.

في المقابل، لم نجد يهودًا في مدن مثل حماة أو حمص، التي يغلب عليها المسلمون السنّة، على الإطلاق.

وفي العراق كذلك ذات التشابه، فقد تركز اليهود في مدن مثل بغداد، والبصرة، والموصل، وهي مدن كانت تضم نسبة عالية جدًا من المسيحيين قبل الهجرة اليهودية.


وإذا أردنا أن نتأمل في الحضور المسيحي الحديث في الشرق، يكفينا النظر إلى لبنان حيث تأسست جامعات كبرى مثل الجامعة اليسوعية والجامعة الأمريكية في بيروت، وهما مؤسستان لم تقدما التعليم فقط، بل شكلتا مختبرًا للأفكار الحديثة والتنوير الفكري والعلمي في المنطقة. مئات الآلاف من الطلاب العرب من مختلف الأديان والثقافات نهلوا من علومهما، وتخرجوا ليصبحوا قادة فكر وسياسة واقتصاد. هذه المؤسسات لم تُبنَ لخدمة المسيحيين فقط، بل حملت في جوهر رسالتها الانفتاح على الجميع بلا تمييز، وهو ما يترجم عمليًا روح المسيحية التي ترى في التعليم والمعرفة وسيلة لرفع كرامة الإنسان وتحريره من الجهل. وما زالت حتى اليوم رمزًا للرسالة الإنسانية المسيحية في المنطقة، لأنها نقلت أفضل ما في الفكر الغربي الحديث وأتاحت له أن يتفاعل مع واقعنا الشرقي.


غالبًا ما يحاول المنتقدون الرد بالإشارة إلى بعض نصوص العهد القديم التي تحمل صورًا عنيفة لحروب وأحداث تاريخية، معتبرين أن هذا يتناقض مع فكرة المسيحية كدين سلام. لكن ما يغيب عن هؤلاء أن تلك النصوص كانت مرتبطة بمرحلة تاريخية محددة لشعب معين وفي ظروف خاصة، ولم تكن وصايا عامة للبشرية. 

المسيحية لم تُعرف يومًا بهذه النصوص، بل بشخص المسيح وتعاليمه التي قلبت المعادلة جذريًا. ففي حين اكتفى العهد القديم بتوثيق صراعات شعب في ماضيه، جاء المسيح ليعلن عهدًا جديدًا قائمًا على الغفران والمحبّة والتضحية. وهذا لم يبقَ نظريًا، بل تجسد عمليًا في التاريخ عبر المستشفيات والجامعات والإرساليات والحركات الإنسانية التي غيرت المجتمعات بعمق. ولو كانت المسيحية مجرد نصوص عنيفة من الماضي لما كنا شهدنا هذا التحول التاريخي، بل كنا سنرى امتدادًا للعنف، وهو ما لم يحدث. الفرق أن المسيحية أعادت قراءة إرثها وقدمت للعالم بديلاً قائمًا على الغفران، فيما بقيت أديان أخرى أسيرة نصوصها الحربية التي جعلت من الجهاد والتوسع العسكري جزءًا من عقيدتها وجوهر ممارساتها.

المسيحيون الأوائل فهموا هذا التحول الجذري، فلم يعد النص القديم هو المرجعية النهائية، بل المسيح ذاته وتعاليمه التي قال فيها بوضوح: "سمعتم أنه قيل... وأما أنا فأقول لكم". بهذا المعنى، النصوص القديمة تُقرأ كتاريخ أو سياق، لا كأساس ملزم للحياة المسيحية، وبالتالي فمحاولة استدعائها لتشويه صورة المسيحية المعاصرة إنما هو تجاهل للتمييز الجوهري بين العهدين.



وإذا تعمقنا أكثر لاهوتيًا وفكريًا، نرى أن الوصايا المسيحية ليست مجرد تعاليم أخلاقية، بل هي الأساس الذي قامت عليه صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حين يقول المسيح إن أعظم الوصايا هما محبة الله ومحبة القريب، فهو يؤسس لمفهوم مزدوج: العلاقة العمودية مع الخالق، والعلاقة الأفقية مع البشر. في هذا التلاقي تُصان الكرامة الإنسانية، لأن قيمة الفرد لا تأتي من المجتمع أو السلطة أو القوة، بل من كونه مخلوقًا على صورة الله. هذه الرؤية اللاهوتية منحت فكرة الكرامة صفة مطلقة غير قابلة للتفاوض، وهي نفسها التي انعكست في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: "يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق". هنا يصبح واضحًا أن ما أقرّته الأمم المتحدة في القرن العشرين لم يكن اختراعًا جديدًا، بل إعادة صياغة علمانية لجوهر الرؤية المسيحية التي شقت طريقها عبر القرون.

المسيحية تدعو المؤمنين للشعور بآلام المظلومين: "اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم والمذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (العبرانيين 13: 3). هذا يرسخ فكرة أن الإنسان ليس فردًا معزولًا، بل عضو في عائلة بشرية واحدة، ومسؤول عن حماية حقوق الآخرين.


قد يظهر منتقدون يحاولون قلب الطاولة بالقول إن حقوق الإنسان فكرة فلسفية أو إنسانية عامة وليست حكرًا على المسيحية. والحقيقة أن هذا القول فيه شيء من الصحة إذا نظرنا للشعارات، لكن ما يغيب عن هؤلاء أن الفلسفات وحدها لم تنجح في تحويل المبادئ إلى واقع ملموس، بل كثير منها ظلّ حبرًا على ورق أو أداة بيد السلطة. هنا يتجلى الفرق بين الشعار والتجسيد: فالمسيحية لم تكتفِ بإعلان المبادئ، بل ولّدت عبر الإيمان بها قوة روحية هائلة دفعت أتباعها إلى ممارسة التضحية والغفران، حتى حين كان ذلك على حساب حياتهم أو امتيازاتهم. من منظور فلسفي بحت، المساواة قد تكون فكرة جميلة، لكن لا قوة تُجبر إنسانًا أن يغفر لمن قتله إلا قوة إيمانية تتجاوز المنطق. ومن منظور حقوقي، إعلان المساواة شيء، أما بناء منظومات صحية وتعليمية وقضائية تحفظها عبر الأجيال، فهذا ما صنعه الغرب المسيحي بفضل إيمانه بقيمة الإنسان. لذلك نستطيع القول بكل جرأة أن المسيحية لم تحتكر الفكرة، لكنها أعطتها الروح والدم والحياة، وحولتها من نظرية إلى حضارة.



سيخرج من يهوّن من أثر المسيحية اليوم وغداً وسيستمرون بذلك، إما يساري ساذج يردّد شعارات عن "الإنسانية" وكأنها جاءت من فراغ، أو مسلم يحاول أن ينسب كل القيم لدينه من باب المكابرة، أو آخرون يرفضون أي حديث إيجابي عن المسيحية لمجرد المناكدة. لكن هذا النمط من الاعتراض يكشف عجزًا معرفيًا أكثر مما يعكس حقيقة تاريخية. فالتاريخ موثّق، والوثائق والأحداث ليست شعارات أيديولوجية تُرفع حسب الهوى. حقوق الإنسان الحديثة لم تولد في فراغ، ولم تنبثق من بيئة إسلامية أو بوذية أو هندوسية، بل وُلدت في رحم المجتمعات المسيحية الأوروبية التي أسست بعمق لكرامة الفرد والمساواة أمام الله والقانون. إنكار هذا الواقع لا يغير منه شيئًا، بل يضع صاحبه في خانة الجدل العقيم الذي يرفض مواجهة الأدلة.


المنظمات الخيرية والإنسانية والتعليمية المسيحية كانت ولا تزال في الصفوف الأولى لمواجهة الكوارث والفقر، من "الصليب الأحمر" الذي تأسس بوضوح على رؤية مسيحية، وصولًا إلى منظمات مثل "World Vision" و"Caritas" وغيرها.

القس «مارتن لوثر كينغ الابن» لم يستمد خطابه من الماركسية ولا من الإسلام، بل من إيمانه المسيحي. "لدي حلم" لم يكن شعارًا سياسيًا بقدر ما كان صدى مباشرًا للتعاليم المسيحية عن المساواة أمام الله.

انتشار التعليم النظامي الحديث في أوروبا وأمريكا بدأ بالمدارس الكنسية. والمستشفيات العامة التي نعرفها اليوم تعود جذورها إلى الرعاية المسيحية للفقراء والمرضى في الأديرة والكنائس.

المسيحيون الإنجيليون في بريطانيا وأوروبا قادوا إصلاحات تتعلق بظروف العمال، حماية الأطفال من الاستغلال، وتحسين أوضاع السجون. هذه الحركات الاجتماعية لم تكن مجرد إصلاحات سياسية، بل مستندة إلى قناعة مسيحية بواجب الدفاع عن الضعفاء.

الحركات المناهضة للاسترقاق في أوروبا وأمريكا لم تنشأ إلا من منطلق مسيحي. شخصيات مثل ويليام ولبرفورس في بريطانيا، الذي قاد حملة شرسة حتى أُلغي الاتجار بالعبيد عام 1807، كانت مدفوعة بإيمان مسيحي راسخ بأن كل إنسان خُلق على صورة الله.




من هنا ندرك أن المسيحية لم تؤسس فقط لفكرة حقوق الإنسان، بل جعلت من الإيمان بها والعمل بها واجبًا دينيًا وأخلاقيًا، وقد أثبتت التجربة أن هذا الإيمان غيّر التاريخ فعلاً.
 

ومع ذلك، فإن مسؤوليتنا اليوم لا تقف عند التذكير بهذه الجذور، بل تتطلب أن نعيشها ونمارسها. ولكي نفعل هذا قد نحتاج إلى الاطلاع على المزيد من التفاصيل للفهم اللاهوتي والفكر المسيحي بخصوص حقوق الإنسان، حتى نستطيع أن ننقل هذه القيم من مجرد تراث حيّ إلى واقع يغير العالم كما غيره من قبل.

المسيحية لم تقتصر على إلهام فكرة حقوق الإنسان؛ بل منحتها الحياة. بدون رؤيتها لكرامة الإنسان، لكانت الحرية والعدالة مجرد مثُل مجردة—المسيحية حولتها إلى حضارة حية.
حقوق الإنسان ليست هبة الفلسفة وحدها، بل ثمرة إيمان يرى كل حياة على أنها مقدسة. المسيحية حولت المبادئ إلى ممارسة، والممارسة إلى تاريخ.

أكتب تعليق

أحدث أقدم