Translate




في السياق الإسلامي، تنتشر مجموعة من التصورات الخاطئة والمترسخة عن الديانة المسيحية، ويتم تداولها دون تحقق أو قراءة نقدية لمصادر المسيحية نفسها. هذه الأفكار ليست مجرد اختلافات دينية طبيعية، بل هي خرافات راسخة يتم تلقينها على أنها حقائق، ويُعاد تكرارها في الخطب والمناهج والحوارات اليومية.



الخرافة الأولى: "الإنجيل كتاب نزل على المسيح كما نزل القرآن على محمد"

الحقيقة:

  • الإنجيل (εὐαγγέλιον – euangelion) كلمة يونانية تعني: "البشارة" أو "الخبر السار".
  • هذا "الخبر السار" هو مجيء يسوع المسيح، وتعاليمه، وصلبه وقيامته، كما يراها التقليد المسيحي.
  • يسوع لم يكتب أي كتاب، ولم يطلب من تلاميذه كتابة "كتاب مقدس" جديد، بل نقلوا أقواله وأفعاله شفهياً، ثم تم تدوينها لاحقاً.
  • الأناجيل الأربعة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا) كتبها تلاميذ أو أتباعهم في النصف الثاني من القرن الأول الميلادي.
  • هذه الأناجيل ليست وحياً مباشراً من السماء بالمعنى الإسلامي، بل شهادات إيمانية وسِيَر سردية كتبتها جماعات مختلفة لتوثيق حياة وتعاليم يسوع كما آمنوا بها.


الخرافة الثانية: "النصارى حرفوا الإنجيل الأصلي الذي نزل على المسيح"

الحقيقة:

  • لا يوجد ما يسمى بـ "إنجيل واحد أصلي مكتوب أنزله الله على يسوع" حتى في اللاهوت المسيحي.
  • لم يكن هناك نص "منزل" ثم "حُرّف"، بل كانت هناك روايات شفوية متعددة عن حياة يسوع، بعضها دُوِّن لاحقاً، وبعضها رُفض من الكنيسة باعتباره غير قانوني (Apocrypha).
  • المسيحية لم تعرف مفهوم "النص المنزل والمحفوظ بحرفيته" كما في الإسلام.



الخرافة الثالثة: "يسوع مجرد نبي بشر مثل موسى ومحمد"

الحقيقة:

  • وفق العقيدة المسيحية منذ القرن الأول، يسوع هو ابن الله المتجسد، وليس مجرد بشر أو نبي.
  • اللاهوت المسيحي يرى أن يسوع له طبيعتان: إلهية وبشرية، وهو ليس "رسولاً" ينقل رسالة فقط، بل هو الرسالة نفسها.
  • توصيفه كنبي فقط هو قراءة إسلامية لاحقة ومجتزأة من السياق التاريخي للعقيدة المسيحية.


الخرافة الرابعة: "التلاميذ هم الذين كتبوا الإنجيل كما هو، دون تغيير"

الحقيقة:

  • الأناجيل لم تُكتب مباشرة من التلاميذ الاثني عشر، بل من جماعات مؤمنة مرتبطة ببعضهم، وعلى مدى عشرات السنين.
  • كل إنجيل يعكس تقاليد لاهوتية ومجتمعية مختلفة، وهذا يفسر وجود اختلافات سردية وزمنية وأسلوبية بين الأناجيل.


الخرافة الخامسة: "المسيحيون لا يملكون الإنجيل الحقيقي بل فقط العهد الجديد"

الحقيقة:

  • الإنجيل في المفهوم المسيحي هو البشارة بحياة يسوع، وهذا يشمل الأناجيل الأربعة الموجودة في العهد الجديد.
  • العهد الجديد لا يتضمن فقط الأناجيل، بل أيضًا رسائل بولس وبطرس ويوحنا وغيرها، وهو كله يُعدّ "الإنجيل" بمعناه العام بالنسبة للمسيحيين.


هل هناك "إنجيل حقيقي ضائع" كما يقول بعض المسلمين؟

  • هذه فرضية لا وجود لها لا في التاريخ ولا في علم المخطوطات. لا توجد أي نسخة معروفة من "إنجيل واحد مكتوب" يعود لعصر يسوع نفسه.
  • ما نملكه اليوم هو أقدم ما وصلنا من التقاليد المسيحية منذ القرن الأول، وبعضها يعود إلى ما قبل العام 100 م.


الخرافة السادسة: "المسيح لم يُصلب بل شُبه لهم"

الحقيقة:

  • الصلب هو الحدث المركزي في الإيمان المسيحي، وهو موثّق تاريخيًا في كل المصادر المسيحية وغير المسيحية (مثل تاسيتوس ويوسيفوس وغيرهم).
  • لا توجد أي وثيقة تاريخية أو إنجيلية من القرن الأول تقول إن المسيح لم يُصلب.
  • النظرية الإسلامية بأن "شخصًا آخر شُبه لهم" هي فرضية متأخرة ظهرت بعد 600 عام من الحادثة، وليس لها أي مصدر موثوق خارج النص القرآني.



الخرافة السابعة: "المسيح تنبأ بمحمد في الإنجيل"

الحقيقة:

  • لا توجد أي نبوءة صريحة أو ضمنية عن محمد في أي من الأناجيل القانونية الأربعة.
  • الآيات التي يستشهد بها بعض المسلمين (مثل "سيرسل لكم المعزي") تتعلق بحسب النص الأصلي بالروح القدس وليس بشخص بشري.
  • حتى كبار الباحثين المسلمين المتخصصين في مقارنة الأديان يقرّون اليوم أن هذه الادعاءات تأويلية ومبنية على رغبة في إيجاد تطابق.



الخرافة الثامنة: "المسيحيون يعرفون محمد مذكورًا في كتبهم لكنهم يُنكرون"

الحقيقة:

  • لا يوجد أي ذكر حرفي لمحمد في أي نسخة من العهدين القديم أو الجديد.
  • هذا الادعاء يعتمد على تفسير قسري لعبارات رمزية أو لغوية، غالبًا يتم اقتطاعها من سياقها الأصلي أو تحريف معاني الكلمات العبرية أو اليونانية لإقحام اسم محمد.
  • المسيحيون ببساطة لا يرون أي تقاطع بين شخص محمد وتعاليم الكتاب المقدس، لا لاهوتيًا ولا أخلاقيًا ولا نبوءاتيًا.





الخرافة التاسعة: "المسيح جاء فقط لبني إسرائيل"

الحقيقة:

  • بالفعل، بدأ يسوع دعوته بين اليهود، لكنه أوصى تلاميذه في نهاية الأناجيل بأن يذهبوا إلى "كل الأمم" ويبشروا العالم كله.
  • المسيحية منذ نشأتها في القرن الأول الميلادي كانت ديانة تبشيرية عالمية، وانتشرت بين الأمم الوثنية واليونانية والرومانية، وليس بين اليهود فقط.
  • بولس الرسول قال صراحة: «لا فرق بين يهودي ويوناني»، مما يعكس شمولية الرسالة.



الخرافة العاشرة: "المسيحيون يعبدون ثلاثة: الله، المسيح، مريم"

الحقيقة:

  • هذه من أكثر المفاهيم الخاطئة انتشارًا في المجتمعات الإسلامية، لكنها لا أساس لها إطلاقًا في أي مذهب مسيحي.
  • عقيدة الثالوث في المسيحية هي: الآب، الابن، الروح القدس – وهي أقانيم إلهية واحدة في الجوهر وليست ثلاثة آلهة.
  • مريم العذراء تُكرم في بعض الطوائف (مثل الكاثوليكية) لكنها ليست جزءًا من الثالوث، ولا تُعبد أبدًا على أنها إله.




الخرافة الحادية عشرة: "المسيحيون اتخذوا الرهبان أربابًا من دون الله"

الحقيقة:

  • لا يوجد في العقيدة المسيحية أي مفهوم لعبادة الكهنة أو الرهبان.
  • هناك احترام ديني وروحي لرجال الدين، لكن ليس فيهم من يُعبد أو يُتخذ ربًا، بل يُعتبرون خدامًا وموجهين.
  • هذا الادعاء مبني على سوء فهم لمظاهر التقدير أو الطاعة الكنسية، ولا يعكس الواقع الفعلي.



الخرافة الثانية عشرة: "المسيح جاء ليُحل بعض ما حرم على اليهود"

الحقيقة:

  • المسيح قال بوضوح: «ما جئت لأنقض الناموس، بل لأُكمله».
  • لم يكن هدفه إباحة المحرمات بل تقديم روح الشريعة فوق حرفيتها.
  • بعض القيود الطقسية اليهودية تم تجاوزها لاحقًا في المجامع المسيحية الأولى (مثل تحريم بعض الأطعمة)، لكن ذلك تم بتطور لاهوتي داخلي، وليس بأن المسيح جاء "ليُحل المحرمات".




جميع هذه الخرافات ليست فقط مغلوطة، بل تعكس فهمًا مشوشًا ومنقولًا بالتلقين، دون دراسة مباشرة للتراث المسيحي من مصادره، أو حتى اطلاع محايد على العقائد المسيحية.

مراجعة هذه الخرافات المنتشرة عن المسيحية تكشف عن فجوة معرفية كبيرة، ليس فقط في فهم العقيدة المسيحية، بل في احترام مبدأ الحوار والبحث عن الحقيقة.
استمرار تداول هذه التصورات المغلوطة يعمّق الجهل والانقسام، ويغذي صراعًا وهميًا.
إن محاولة فهم الآخر لا يجب أن تتم من خلال مصادر الخصم أو من خلال رغبة دينية في الطعن، بل من خلال الرجوع إلى مصادره، ونصوصه الأصلية، وفهمه لذاته.

أكتب تعليق

أحدث أقدم