Translate






صفات عديدة وردت في النص القرآني نُسبت إلى الإله الإسلامي، تتضمن: "المتكبّر"، "المتجبّر"، "الضارّ"، "القهّار"، "الماكر"، "المضلّ"، "المذلّ"، "خائن العهود"، "آمر بالفحشاء"، و"ملهم الشرور". هذه الصفات لا تصنّف أخلاقيًا كصفات محمودة في أي نظام إنساني أو فلسفي أو حتى ديني آخر، بل غالبًا ما تُنسب إلى الكائنات المعادية للخير كالشيطان أو الطغاة أو قادة الظلم. إذا كانت هذه الصفات مذمومة في البشر، وتُعدّ من علامات الشر، فكيف يمكن اعتبارها صفات مدح في ذات يُفترض أنها مصدر الخير والعدل والحكمة؟ هل تتغير القيمة الأخلاقية للصفة بحسب الفاعل؟ وإذا كان الجواب بنعم، فبأي معيار عقلي يُمكن اعتماد هذا التناقض؟


النصوص الإسلامية ذاتها تشير إلى أن من يتصف بهذه الصفات من البشر يُعاقب في الدنيا والآخرة. ورد في كتاب "الروح" لابن القيم (ص 105–106) أن المتكبّرين والطغاة هم من أهل عذاب القبر. فإذا كان "التكبّر" من صفات الله، فلماذا يُدان الإنسان إذا تشبّه به؟ إذا كان الله هو "الضار" و"المضلّ"، فلماذا يُحاسب الإنسان إذا تسبب بالضرر أو أضلّ غيره؟ المنظومة الأخلاقية تنهار إذا كان الحكم على الأفعال يعتمد على هوية الفاعل لا على طبيعة الفعل ذاته.


تتناقض هذه التصورات أيضًا مع الفرضية القائلة بأن الله غنيّ عن خلقه ولا يحتاج منهم شيئًا. في الواقع، يظهر من سرد النصوص الإسلامية أن الله يطلب من الناس أن يُجاهدوا ويُقاتلوا ويُقتلوا في سبيله. الخطاب الديني المتكرر يُظهر أن الإله الإسلامي يُفترض أن يُدافع عنه أتباعه، ليس فقط بالكلام أو الدعوة، بل بالقتال المسلح، وحتى العمليات الانتحارية في بعض التيارات، وكأن وجوده، أو احترامه، أو سمعته، مهددة إذا لم يتدخل البشر بالعنف.


السؤال هنا ليس ساذجًا أو استفزازيًا، بل بنيوي:
هل الكائن الكامل، المطلق القدرة، الذي لا يُحدّه زمان أو مكان، بحاجة إلى بشر مسلحين للدفاع عنه؟
هل يُعقل أن يُوصف الله بأنه القادر على كل شيء، ثم يعجز عن الحفاظ على ذاته أو رسالته دون وساطة البشر؟
وإذا افترضنا أن البشر مأمورون بإيصال الرسالة، فلماذا يتحول الأمر إلى حرب مادية، لا مجرد نقاش فكري؟
وهل يُعقل أن تكون أدوات هذه الحرب – السيف سابقًا، والبندقية لاحقًا – من صنع دول لا تعترف أصلاً بوجوده؟


الأمر يتعدى قضية الوساطة، إلى أزمة في الاتصال ذاته. إذا كان الله قد أنزل كتابًا بلغة عربية مبينة – حسب ما ورد في آيات عديدة مثل: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾، و﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ – فلماذا لم يفهمه العرب الذين نزل فيهم؟
لماذا احتاجت الأمة الإسلامية إلى آلاف التفاسير، وعلوم النحو والبلاغة، والمنطق والبيان، لضبط المعاني؟
لماذا انقسم المسلمون منذ القرن الأول إلى فرق وطوائف تتقاتل على تفسير ذات النص؟


إذا كان النص الإلهي صادرًا من كائن كامل، عليم، مدرك لطبيعة المستقبل والاختلاف البشري، فلماذا لم يكتب نصًا محكمًا، واضحًا، دقيقًا، يمنع الالتباس، أو على الأقل يقلّل من احتمالاته؟
ولماذا يتهم النص من لا يفهمه بالكفر أو النفاق أو الجحود؟
وهل يُعقل أن يُكلّف الناس باتباع نصّ لا يستطيعون فهمه دون وساطة وتأويل؟


يُقارن بعض الباحثين هذه المسألة بأنظمة التواصل الحديثة. شركات التكنولوجيا مثل "فيسبوك" أو "غوغل" تصدر سياسات استخدام تُترجم إلى مئات اللغات، وتُفهم عالميًا، ولا ينتج عنها أي حرب دموية أو انقسام عقائدي. أما النص القرآني – الذي يُفترض أنه صادر عن إله مطلق – فلم يستطع أن يوصل فكرته بوضوح لجماعة صغيرة واحدة نزل فيها، بل تسبب في انقسامات وصراعات وتكفير واحتراب.


يُضاف إلى ذلك أن كتابًا مثل الكتاب المقدس – رغم تعدد لغاته الأصلية، وتعدد كتبته، وطول فترته الزمنية – لم يُنتج هذا الكمّ من الفِرَق القتالية على تفسير كلمة واحدة.
أما القرآن، بلغة واحدة، وسياق جغرافي موحّد، ومن مصدر واحد، فنتج عنه طوائف لا تُحصى، كل منها تدّعي أن تفسيرها للنص هو الصحيح، وكل منها تكفّر الأخرى، وبعضها يُحلّ سفك دم الأخرى.


المشكلة لا تكمن فقط في تعدد التأويل، بل في غياب أي معيار داخلي في النص نفسه يمكن أن يحسم هذه الخلافات. فلا توجد بنية منطقية صارمة تمنع التناقضات. بل إن النص ذاته يصرّح بأنه يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء، ما يعني أن مسؤولية الفهم لا تقع على القارئ بل على المرسل. فإذا كان الله قد قرر إضلال إنسان ما، فلا ذنب لذلك الإنسان في كفره. وإذا كان الله يُلهم الفجور كما يُلهم التقوى – حسب سورة الشمس: ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ – فلماذا يُحاسَب الإنسان على ما أُلهم به؟


الأسئلة الناتجة عن هذه البنية النصية لا تنتهي، لكنها تقود إلى فرضية مركزية واحدة: إن كان الإله الإسلامي كامل القدرة، وكامل العلم، وكامل البيان، فلماذا فشل في إيصال رسالة واضحة، وعادلة، ومقنعة، ومتسقة منطقيًا؟ ولماذا يتطلب دائمًا تدخلًا بشريًا لتفسير كلامه، وتبرير سلوكه، والدفاع عن قراراته، وقمع من ينتقده؟

هل نحن أمام كائن مطلق، أم أمام فكرة بشرية صُنعت لتُخيف، وتُرهب، وتُبرر السلطة، وتُعطل التفكير المستقل؟ النص، كما هو، لا يُقدم إجابة مُقنعة لأي من هذه المفارقات، بل يُكرّسها، ويُحملّ تبعاتها للضحية لا للفاعل.

الأسئلة قائمة، والمفارقات واضحة، والنتائج منطقية، ولا تحتاج إلى عاطفة، بل إلى فكر حر يقرأ النص كما هو، دون خوف أو ولاء أعمى.

أكتب تعليق

أحدث أقدم