في 27 أبريل/نيسان، نشر الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» ما يلي:
"أنا أعيد يوم كولومبوس من تحت الرماد. الديمقراطيون فعلوا كل ما بوسعهم لتدمير كريستوفر كولومبوس، سمعته، وكل الإيطاليين الذين يحبونه كثيرًا.
هدموا تماثيله، ولم يضعوا شيئًا مكانها سوى "الصحوة" أو ما هو أسوأ: لم يضعوا شيئًا على الإطلاق!
حسنًا، ستسعدون بمعرفة أن كريستوفر سيعود بقوة. أُعلن الآن إعادة يوم كولومبوس بنفس القواعد والتواريخ والمواقع التي كانت له على مدار العقود الطويلة الماضية!"
هدموا تماثيله، ولم يضعوا شيئًا مكانها سوى "الصحوة" أو ما هو أسوأ: لم يضعوا شيئًا على الإطلاق!
حسنًا، ستسعدون بمعرفة أن كريستوفر سيعود بقوة. أُعلن الآن إعادة يوم كولومبوس بنفس القواعد والتواريخ والمواقع التي كانت له على مدار العقود الطويلة الماضية!"
ترامب يُشير هنا إلى حقيقة أن يوم كولومبوس – أو كما يُطلق عليه بشكل متزايد "يوم الشعوب الأصلية" – أصبح منذ سنوات يُدان باعتباره يومًا يحتفل فيه الأمريكيون بأعمال "إبادة جماعية" ارتكبها رجل مجنون من أصول إيطالية بحق السكان الأصليين الفقراء والمسالمين.
وحديث ترامب عن أن "الديمقراطيين فعلوا كل ما بوسعهم لتدمير كريستوفر كولومبوس" يجد له صدى خاصًا في تصريحات نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس.
فليست فقط قد عبّرت بوضوح عن رغبتها في إلغاء يوم كولومبوس رسميًا واستبداله بيوم الشعوب الأصلية، بل إنها في عام 2021 أدانت "الماضي المخزي" لأمريكا في سياق الحديث عن كولومبوس، قائلة:
فليست فقط قد عبّرت بوضوح عن رغبتها في إلغاء يوم كولومبوس رسميًا واستبداله بيوم الشعوب الأصلية، بل إنها في عام 2021 أدانت "الماضي المخزي" لأمريكا في سياق الحديث عن كولومبوس، قائلة:
"منذ عام 1934، وفي كل شهر أكتوبر، كانت الولايات المتحدة تعترف برحلة المستكشفين الأوروبيين الذين هبطوا أولًا على سواحل الأمريكتين... هؤلاء المستكشفون جلبوا موجة من الدمار لأمم السكان الأصليين – عبر ارتكاب العنف، وسرقة الأراضي، ونشر الأمراض. لا يجب أن نتجنب هذا الماضي المخزي، بل يجب أن نسلط الضوء عليه، ونفعل كل ما في وسعنا لمعالجة تأثيراته على مجتمعات السكان الأصليين اليوم."
جيّد من ترامب أن يُظهر اهتمامًا بإعادة يوم كولومبوس. وسيكون من الأفضل لو استغللنا هذه المناسبة لتذكّر السبب الحقيقي الذي دفع كولومبوس للإبحار غربًا أساسًا.
فرغم أن "التاريخ المزيّف" الذي تعلمناه في المدارس يدّعي أنه كان يبحث عن "التوابل"، إلا أن الحقيقة أنه فعل ذلك للالتفاف حول المسلمين ومحاربتهم.
فرغم أن "التاريخ المزيّف" الذي تعلمناه في المدارس يدّعي أنه كان يبحث عن "التوابل"، إلا أن الحقيقة أنه فعل ذلك للالتفاف حول المسلمين ومحاربتهم.
فظائع قديمة وجرائم مستمرة
حين وُلد كولومبوس، كانت الممالك المسيحية في أوروبا تدافع عن نفسها ضد الجهاد الإسلامي منذ أكثر من 800 عام – وكانت المعارك في ذروتها.
ففي عام 1453، حين كان كولومبوس يبلغ من العمر عامين فقط، استولى الأتراك أخيرًا على القسطنطينية، وهو حدث مليء بالفظائع هزّ أركان العالم المسيحي.
ففي عام 1453، حين كان كولومبوس يبلغ من العمر عامين فقط، استولى الأتراك أخيرًا على القسطنطينية، وهو حدث مليء بالفظائع هزّ أركان العالم المسيحي.
وفي السنوات التالية، استمر المسلمون في التوغل في عمق البلقان، ناشرين الموت والدمار، واستُعبد ملايين من السلاف. (ومن هنا جاءت العلاقة اللغوية بين كلمتي السلاف والعبيد Slavs وslaves بالإنجليزية).
وفي عام 1480، عندما كان كولومبوس في التاسعة والعشرين من عمره، غزا الأتراك موطنه إيطاليا. وفي مدينة أوترانتو، قطعوا رؤوس 800 إيطالي بشكل طقسي، ونشروا الأسقف المحلي إلى نصفين، لأنهم رفضوا التخلي عن المسيحية واعتناق الإسلام.
في هذا السياق، دعم الملك «فرديناند» والملكة «إيزابيلا» في إسبانيا – وهما معروفان بانخراطهما في الحروب الصليبية، خصوصًا الملكة التي أنهت "الاسترداد" الإسباني الطويل بتحرير غرناطة من الحكم الإسلامي عام 1492 – مشروع كولومبوس.
مهمة خاصة
قام الملكان بتمويل رحلته الطموحة غربًا بهدف إطلاق ما وصفه المؤرخ «لويس برتراند» بـ"حملة صليبية نهائية وحاسمة ضد الإسلام عن طريق الهند" (والتي أدت عن غير قصد إلى اكتشاف العالم الجديد).
وكان كثير من الأوروبيين يعتقدون أنه إذا تمكنوا من الوصول إلى الشعوب الواقعة شرق العالم الإسلامي – والتي إن لم تكن مسيحية، فعلى الأقل لم "تُصب بعد بطاعون المحمديين" حسب تعبير البابا نيكولاس الخامس (توفي عام 1455) – فبإمكانهم التعاون معها لسحق الإسلام بين الجبهتين.
وقد كان هذا المخطط قديمًا ويرتبط بأسطورة الملك «بريستر جون»، وهو ملك مسيحي أسطوري يُقال إنه يحكم في الشرق، وكانوا يأملون أن يتحرك يومًا ما غربًا لينتقم للمسيحية بتدمير الإسلام.
وقد كان هذا المخطط قديمًا ويرتبط بأسطورة الملك «بريستر جون»، وهو ملك مسيحي أسطوري يُقال إنه يحكم في الشرق، وكانوا يأملون أن يتحرك يومًا ما غربًا لينتقم للمسيحية بتدمير الإسلام.
ويظهر كل هذا في رسائل كولومبوس نفسه؛ ففي واحدة منها يشير إلى فرديناند وإيزابيلا على أنهما "عدوا الطائفة المحمدية البائسة"، اللذين "عزما على إرسالي إلى مناطق الهند لأستكشف كيف يمكن لتلك الشعوب المساعدة في الجهود الحربية". وفي رسالة أخرى إلى الملكين بعد وصوله إلى العالم الجديد، يعرض كولومبوس أن يجمع جيشًا "للحرب وفتح أورشليم". (ويظهر أن تحرير أورشليم كان في قلب اهتماماته من خلال عنوان أحد الكتب المنشورة في 2011: كولومبوس وسعيه نحو أورشليم).
ولم تكن إسبانيا وكولومبوس أول من استخدم هذا النهج.
فعندما طُرد المسلمون من البرتغال عام 1249، بدأت الجيوش البرتغالية التوغل في أفريقيا المسلمة.
ويكتب المؤرخ «جورج غرانت»: "الدافع الأكبر الذي حرّك طاقة الأمير هنري الملاح (ولد عام 1394) وعقله المُتقد، كان الرغبة الصريحة في حمل الصليب – لحمل السيف الصليبي إلى أفريقيا وفتح فصل جديد في الحرب المقدسة للمسيحية ضد الإسلام". وقد أطلق كل تلك الرحلات الاستكشافية لأنه كان "يبحث عن وجود أمراء مسيحيين في تلك المناطق"، والذين "يمكن أن يساعدوه ضد أعداء الإيمان"، حسب تعبير معاصر له.
فعندما طُرد المسلمون من البرتغال عام 1249، بدأت الجيوش البرتغالية التوغل في أفريقيا المسلمة.
ويكتب المؤرخ «جورج غرانت»: "الدافع الأكبر الذي حرّك طاقة الأمير هنري الملاح (ولد عام 1394) وعقله المُتقد، كان الرغبة الصريحة في حمل الصليب – لحمل السيف الصليبي إلى أفريقيا وفتح فصل جديد في الحرب المقدسة للمسيحية ضد الإسلام". وقد أطلق كل تلك الرحلات الاستكشافية لأنه كان "يبحث عن وجود أمراء مسيحيين في تلك المناطق"، والذين "يمكن أن يساعدوه ضد أعداء الإيمان"، حسب تعبير معاصر له.
إسلاموفوبيا؟
فهل يعني هذا أن كولومبوس، وامتدادًا فرديناند وإيزابيلا – بل وحتى العالم المسيحي بأسره – كانوا "إسلاموفوبيين"؟ كما يدّعي بعض النقاد المعاصرين الذين يذكرون الدافع الحقيقي لرحلات كولومبوس؟
على سبيل المثال، كتب المؤرخ «آلان ميخائيل» في مقال رأي بصحيفة لوس أنجلوس تايمز:
على سبيل المثال، كتب المؤرخ «آلان ميخائيل» في مقال رأي بصحيفة لوس أنجلوس تايمز:
"القوة الدافعة الأساسية وراء رحلات كولومبوس عبر الأطلسي كانت الخوف والكراهية تجاه الإسلام... هذا شكّل الطريقة التي تعامل بها الأوروبيون البيض مع "العالم الجديد" وشعوبه الأصلية لقرون، وكيف يرى الأمريكيون اليوم العالم... وُلد كولومبوس في أوروبا يغلب عليها العداء للإسلام عام 1451..."
ورغم أن الكثير من ذلك صحيح، فإن ميخائيل لا يشرح لماذا كان هناك مثل هذا "الخوف والكراهية من الإسلام"، أو لماذا كان لدى أوروبا "عقلية معادية للإسلام" أساسًا. بل يفترض فقط أن "الأوروبيين البيض" كانوا متعصبين وجهلة (أو "عنصريين" بلغة اليوم).
وهنا تكمن المفارقة: نعم، كان كولومبوس والأوروبيون "إسلاموفوبيين" – لكن ليس بمعنى الكلمة كما تُستخدم اليوم. فبينما تعني الكلمة اليونانية phobos "الخوف"، فإن استخدامها الحديث يوحي بـ"خوف غير عقلاني".
لكن، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الإسلام كان، على مدى ألف عام قبل كولومبوس، يهاجم المسيحية باستمرار لدرجة أنه استولى على ثلاثة أرباع أراضيها الأصلية، بما في ذلك إسبانيا نفسها؛ وأن الإسلام في نسخته العثمانية كان خلال زمن كولومبوس يدمّر البلقان والمتوسط، ويذبح ويستعبد أي أوروبي يجرؤ على عبور أراضيه؛ بل وبعد قرون من كولومبوس، كان الإسلام لا يزال يُرعب الغرب – كما حدث عندما سار 200,000 جهادي عثماني نحو فيينا عام 1683، أو عندما اضطرّت أمريكا إلى خوض أول حرب في تاريخها ضد المسلمين – فإن الادعاء بأن خوف الغرب من الإسلام كان "غير عقلانيًا" هو بحد ذاته قمة اللامنطق.
باختصار، لنعد فقط للاحتفال بيوم كولومبوس هذا العام، بل لنتذكر – ونتعلم – من الأحداث التي أدت إلى ظهوره أساساً!
إرسال تعليق