في الوقت الذي يعاني فيه ملايين الأوروبيين من البطالة والفقر والهجرة، وفي وقت تتعثر فيه اقتصادات الدول الأعضاء، يقرر الاتحاد أن يصرف ملايين اليوروهات… على مشروع يدّعي التقارب الإسلامي-الأوروبي، باسم التعليم والبحث الأكاديمي، بينما الحقيقة الوحيدة هي تبييض التاريخ الإسلامي على حساب الذاكرة الأوروبية الحقيقية.
المحاضرات، الكتب، والندوات، كلها أدوات لتبييض صفحة سوداء من التاريخ الأوروبي.
كل هذه المؤسسات تتظاهر بالعلمية بينما الواقع يقول: الاتحاد الأوروبي لم يعد مهتماً بالحقائق، بل بصناعة نسخة من التاريخ يمكنها تمريرها للجمهور الساذج.
حدود القارة تتهاوى، مشاكل الهجرة تتفاقم، الهوية الثقافية تتعرض للهدم، والاتحاد يقرر أن يستثمر أمواله في إعادة كتابة التاريخ: الاحتلال الإسلامي يصبح “إثراءً حضارياً”، والغزوات الإسلامية تصبح “ثقافة”، والمقاومة الأوروبية تتحول إلى “تطرف”!
والموضوع يزداد سوءًا. حيث يشير النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي، «فابريس ليجيري» إلى القرب المقلق بين المشروع والإسلام السياسي، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين.
فقد كتبت إحدى الباحثات في مشروع "EuQu"، «ناعمة عفيف»، سيرة ذاتية تمجيدية لمؤسس الإخوان المسلمين «حسن البنا». كما اكتشفت صحيفة لو جورنال دو ديمانش الفرنسية أن عدة أكاديميين مشاركين في المشروع "على صلة معروفة" بجماعة الإخوان.
ومن بين المنتقدين للمشروع أيضًا، «فلورانس بيرجو-بلاكليه»، وهي أكاديمية فرنسية كرست مسيرتها لكشف التغلغل التدريجي لجماعة الإخوان المسلمين في المؤسسات الأوروبية — سواء الأكاديمية أو السياسية. وماذا كان جزاؤها؟ الإلغاء، إن لم يكن الاضطهاد الصريح. والرسالة واضحة: إذا كشفت الجذور الأيديولوجية لهذه المشاريع المؤيدة للإسلام، فأنت المشكلة.
أحد الباحثين الرئيسيين في مشروع "EuQu"، «جون تولان» جامعة نانت، يقدم مثالًا واضحًا.
فهو يزعم: "نحن نحاول فهم مكانة الإسلام والقرآن بطريقة علمانية وعلمية"، ويصر على أن هذا العمل هو "ضد تطرف الوهابيين والسلفيين".
لكن إن كان ذلك صحيحًا، أليس من المفترض أن يوجه عمله لإقناع المسلمين بعدم قراءة القرآن على طريقة "الوهابيين والسلفيين"؟ بدلًا من ذلك، تتركز جهوده على إقناع الأوروبيين بوجود "طرق متعددة لتفسير القرآن" — وهو نهج مصمم فقط لنزع سلاح الطرف الأوروبي.
لكن هذا ليس مفاجئًا؛ إذ هناك نمط ثابت يطغى على أعمال تولان: تبييض صورة الإسلام وتشويه صورة المسيحيين.
فعلى سبيل المثال، في كتابه السراسنة: الإسلام في المخيلة الأوروبية في العصور الوسطى، يروي تولان حادثة استشهاد نحو 50 مسيحيًا في قرطبة تحت الحكم الإسلامي — حيث سُجنوا، وعُذبوا بوحشية، وأُعدموا بطرق وحشية لرفضهم اعتناق الإسلام أو التراجع عن إيمانهم.
وبدلاً من إدانة الجلادين المسلمين، يوجه تولان غضبه نحو الشهداء أنفسهم لأنهم تجرأوا على انتقاد الإسلام منذ البداية. وعلى وجه الخصوص، يهاجم القديس أولوغيوس — وهو مسيحي اشتهر بالتواضع والرحمة، وقد استشهد في قرطبة لأنه أهان نبي الإسلام بكتابته: "لن أكرر التجديف الذي تجرأ ذلك الكلب النجس [محمد] على التفوه به بحق العذراء المباركة [مريم]… لقد زعم أنه في العالم الآخر سيفض بكارتها."
هذا الكلام "التجديفي" لا يروق لتولان، الذي يوضح:
"يبدو أن هذا الادعاء الفاضح [أن محمدًا سيفض بكارة مريم] هو من اختراع أولوغيوس؛ فأنا لا أعرف أي كاتب مسيحي آخر يوجه هذه التهمة لمحمد. أولوغيوس يختلق الأكاذيب المصممة لصدمة القارئ المسيحي. بهذه الطريقة، حتى العناصر في الإسلام التي تشبه المسيحية (مثل تبجيل يسوع وأمه العذراء) يتم تشويهها وتسويدها، بحيث يُمنع المسيحي من الإعجاب بأي شيء عند الآخر المسلم. الهدف هو إلهام الكراهية ضد "المضطهدين"… يسعى أولوغيوس لإظهار أن المسلم ليس صديقًا، بل مغتصبًا محتملًا لعذارى المسيح."
لكن، وفي الواقع، لم يكن المسلمون (ولا يزالون) مشهورين باغتصاب المسيحيين والأوروبيين فحسب، بل إن هناك حديثًا نبويًا مشهورًا يعلن فيه محمد أن "الله سيزوجني في الجنة من مريم بنت عمران" (والتي يحددها الإسلام بأنها أم يسوع). وهكذا، كان النبي نفسه — لا أي "كاتب مسيحي مثير للجدل" — هو من "اختلق الأكاذيب المصممة لصدمة"، أي أن والدة المسيح ستكون جاريته الأبدية. لكن، لأن هذا الحديث لا يخدم جهود الأكاديميين المعاصرين الذين يحاولون تصوير محمد كنموذج للتسامح، فإنهم يتظاهرون بأنه غير موجود — إلا في عقول المسيحيين في العصور الوسطى "الشريرة".
مشروع التقارب الإسلامي-الأوروبي، المدعوم بالمال العام، لم يعد إلا محاولة فاضحة لتسويق الأكاذيب التاريخية، وإقناع أوروبا أن مقاومة الغزوات والاحتلال الإسلامي كانت “تطرفاً”، وأن ما حصل خلال القرون الماضية هو مجرد سوء فهم ثقافي يجب تصحيحه.
إرسال تعليق