Famine Sculptures on the 'Banks of the Foyle' Derry |
الادعاء بأن الدولة العثمانية أنقذت إيرلندا أثناء المجاعة الكبرى بين عامي 1845–1852 ليس دقيقًا تاريخيًا. فمع أن هناك بعض الحالات من المساعدات الإنسانية من مصادر مختلفة خلال مجاعة البطاطس في إيرلندا، إلا أنه لا توجد أدلة كافية تشير إلى أن الدولة العثمانية لعبت دورًا جوهريًا في تقديم الإغاثة لإيرلندا خلال تلك الفترة.
كانت المصادر الأساسية للمساعدات تأتي من داخل إيرلندا نفسها، إضافة إلى بعض الدول الأوروبية الأخرى والولايات المتحدة.
هذه الشائعات تتعلق بما يعرف بـ “المجاعة الإيرلندية 1845–1852”، التي حصدت أرواح ما يقارب مليون إنسان بسبب فشل محصول البطاطس نتيجة مرض نباتي يُعرف بـ “اللفحة المتأخرة”. هذا الوباء دمّر مئات المحاصيل الزراعية في إيرلندا، التي كان شعبها يعتمد عليها بشكل كبير للغذاء والتجارة.
“على مدى أكثر من 400 سنة، احتلت الدولة العثمانية الدول العربية والإسلامية، ولم تبنِ جامعة واحدة.”
أما الأسطورة العثمانية/الإسلامية/العربية الشائعة اليوم والمتعلقة بالسلطان عبد المجيد الأول، فهي تقوم على ثلاث أكاذيب أساسية سنكشفها في هذا المقال:
-
الادعاء بأن السلطان كان ينوي إرسال مبلغ 10,000 جنيه إسترليني لكنه تراجع لأن الملكة فيكتوريا أرسلت 2,000 جنيه فقط، وكان إرسال مبلغ أكبر سيُعتبر إهانة دبلوماسية — بحسب الشائعة.
-
الادعاء بأن بريطانيا منعت دخول المساعدات إلى إيرلندا وحاصرت الجزيرة بأسطولها البحري.
-
الادعاء بأن السلطان “الإنساني الرحيم”، بينما كان الملايين يموتون جوعًا أو يُقتلون في الحروب والاضطرابات تحت حكمه، أرسل ثلاث سفن كسرت الحصار وقدمت مساعدات غذائية إلى مدن إيرلندية، أبرزها مدينة دروهده، التي يُقال إنها اتخذت الهلال والنجمة شعارًا لها تخليدًا لذلك العمل — وأن هذه المساعدة أنقذت إيرلندا من المجاعة والموت المحقق “بفضل عظمة وإنسانية” السلطان العثماني.
لكن، هل هذا صحيح؟ إطلاقًا لا.
الحقيقة وراء هذه الأسطورة مخفية خلف دعاية ضخمة من مصادر عربية وتركية وحتى إيرلندية، تحاول تشويه صورة بريطانيا عبر مناورات سياسية رخيصة — وكل ذلك يمكن دحضه ببضع ساعات فقط من البحث والتدقيق.
ظهرت القصة أول مرة على لسان قوميين إيرلنديين عام 1851، وتطورت لاحقًا قليلًا لتزعم أن “السلطان العثماني” قدّم مساعدات حين لم تفعل الحكومة البريطانية ذلك. وبقيت القصة على هذا الحال حتى عام 1880، عندما قام «تشارلز ستيوارت بارنل»، زعيم الحزب البرلماني الإيرلندي، بجولة في الولايات المتحدة لجمع التبرعات.
عندها طوّر القصة وأضاف الأكاذيب الثلاث المذكورة أعلاه، في محاولة لتشويه سمعة بريطانيا وإظهارها بصورة أسوأ من الدولة العثمانية التي كانت مشهورة بفظائعها ومجازرها خلال تلك الفترة. في الحقيقة، هذه الأسطورة تُظهر بريطانيا بشكل شيطاني أكثر مما تُظهر إنسانية مصطنعة للعثمانيين.
في الواقع، كانت الملكة أكبر متبرع فردي بمبلغ 2,000 جنيه، بينما تبرع زوجها بـ 500 جنيه، والعديد من أقاربها تبرعوا بمبالغ تتراوح بين 500 و1,000 جنيه، أي ما يعادل ملايين اليوم. أما كذبة الـ 5 جنيهات فلا تزال شائعة في إيرلندا وتُستغل سياسيًا حتى الآن. الحقيقة أن الملكة تبرعت من أموالها الخاصة، إضافة إلى أنها أمرت بجمع تبرعات ضخمة من جميع أنحاء المملكة المتحدة وخارجها.
(كالكوتا) في الهند، وحدها أرسلت 14,000 جنيه، حسب أحد السجلات.
أما فكرة أن السلطان كان ينوي إرسال مبلغ أكبر ثم تراجع، فهي مجرد كذبة بلا أي أساس تاريخي. في دراسة مهمة للكاتب والباحث الويلزي «مايك داش»، أوضح أن:
“الادعاء بأن السلطان كان ينوي منح 10,000 جنيه للإيرلنديين المنكوبين بالمجاعة، لكن السفير الإنجليزي (اللورد كاولي/هنري ويلزلي) ثناه عن ذلك لأن الملكة تبرعت فقط بـ 1,000 جنيه، يُعتبر ادعاء غير صحيح لسببين:
أولًا: الملكة تبرعت بـ 2,000 جنيه وشجعت الجميع على التبرع.ثانيًا: اللورد كاولي كان سفير بريطانيا في فرنسا لمدة 15 سنة بدءًا من 1847، ولم يزر تركيا في حياته مطلقًا، وبالتالي لم يقابل السلطان أصلًا. لذا فإن هذا الادعاء التاريخي باطل ولا وجود لأي دليل على نية السلطان إرسال 10,000 جنيه.”
بعد مراجعة الأرشيف العثماني في إسطنبول (رئاسة الأرشيفات الحكومية / devletarsivleri.gov.tr)، لم يُعثر على أي وثيقة رسمية تثبت أن السلطان عبد المجيد الأول أرسل مساعدات غذائية أو سفنًا إلى إيرلندا خلال سنوات المجاعة الكبرى (1845–1852). كذلك، لم يُعثر على أي سجل رسمي يدعم مزاعم بتبرعات مالية تتجاوز مبلغ الألف جنيه المثبت تاريخيًا.
في المقابل، روجت بعض وسائل الإعلام مثل IrishCentral وIreland’s Eye قصصًا شعبية تزعم أن السلطان أرسل بين ثلاث إلى خمس سفن محملة بالمساعدات. لكن هذه الروايات لا تدعمها سجلات أرشيفية رسمية ولا سجلات الموانئ في ذلك الوقت، ما يجعلها أقرب إلى الفلكلور منها إلى التاريخ. وبحسب مؤرخين مثل «كريستين كينيلي، وكورماك أو غرادا»، فإن التبرع بالألف جنيه هو المساهمة الوحيدة الموثقة تاريخيًا.
أحد الوثائق الموثوقة في هذا الشأن هو رسالة شكر رسمية أرسلها نبلاء وأعيان إيرلندا إلى السلطان عبد المجيد الأول.
تضمنت الرسالة — المكتوبة بالإنجليزية الرسمية في القرن التاسع عشر بزخارف فنية تحمل التاج البريطاني مع رموز عثمانية — شكرًا صريحًا على التبرع بمبلغ ألف جنيه، موقعة من شخصيات إيرلندية بارزة.
أهمية هذه الوثيقة أنها تؤكد بشكل قاطع مبلغ الألف جنيه فقط، وهو ما يتطابق مع نتائج الدراسات الأكاديمية الحديثة (مثل كريستين كينيلي ومايك داش). وعلى العكس، فهي لا تدعم أي ادعاءات عن مبالغ أكبر أو إرسال سفن، بل تحدد المبلغ بدقة، مما يجعلها دليلًا ضد الأساطير اللاحقة.
الشائعة الثانية: أن بريطانيا منعت دخول المساعدات إلى إيرلندا وحاصرت الجزيرة بأسطولها.
الشائعة الثالثة: أن السلطان العثماني أرسل ثلاث سفن محملة بالمساعدات الغذائية إلى مدن إيرلندية، أبرزها دروغيدا.
صحيح أن سجلات ميناء دروغيدا ضاعت مع الزمن، لكن المؤرخ «مايك داش» راجع صحف المدينة خلال سنوات المجاعة. وكانت أخبار حركة السفن وشحناتها تُنشر بشكل واسع لأنها معلومة أساسية للتجار المحليين ضمن سياسة التجارة المفتوحة البريطانية.
في عام 2006، زادت رئيسة إيرلندا «ماري مكاليز» من هذه المهزلة خلال زيارتها لتركيا، فبالغت في نشر الشائعة، حتى زعمت أن “مدينة دروغيدا اتخذت الهلال والنجمة شعارًا لها تكريمًا للموقف العثماني” — وهو ادعاء باطل.
إذ سرعان ما فنّد المؤرخون المحليون هذا الادعاء، موضحين أن الهلال والنجمة كانا جزءًا من شعار دروغيدا منذ أن حصلت على ميثاقها من الملك جون ملك إنجلترا في القرن الثالث عشر الميلادي. أي أن الشعار لا علاقة له أصلًا بالسفن التركية/العثمانية أو المجاعة.
دار الفقراء في سانت جون - تبنى الملك الإنجليزي ريتشارد ("قلب الأسد") الهلال والنجمة في عام 1192 عند استيلائه على قبرص من الحكم البيزنطي ومنحها، بعد عامين، لميناء دروغيدا. |
دار الفقراء في سانت جون - تبنى الملك الإنجليزي ريتشارد ("قلب الأسد") الهلال والنجمة في عام 1192 عند استيلائه على قبرص من الحكم البيزنطي ومنحها، بعد عامين، لميناء دروغيدا. |
لكن حين يريد اليساريون السذّج والمسلمون إقناعنا أن لون الحليب أسود، علينا أن نصدقهم!
في النهاية، لا يهدف هذا المقال إلى التقليل من شأن ذلك التبرع، بل إلى كشف التمجيد الأعمى والفارغ الذي يخدم اليوم الإسلاميين الساعين جاهدين لتلميع صورة دينهم وتمجيد فظائع الخلافة العثمانية — نظام يشهد تاريخه ضده، بصفحات سوداء غارقة بالدم والإرهاب.
إرسال تعليق